فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
تكريرُ النداء مع وصفهم بنعت الإيمانِ لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يردُ بعدَه من الأوامر وتنبيهِهم على أن فيهم ما يوجب ذلك {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} بحسن الطاعة {إِذَا دَعَاكُمْ} أي الرسولُ إذ هو المباشرُ لدعوة الله تعالى: {لِمَا يُحْيِيكُمْ} من العلوم الدينيةِ التي هي مناطُ الحياة الأبدية كما أن الجهَل مدارُ الموتِ الحقيقيِّ أو هي ماءُ حياةِ القلبِ كما أن الجهلَ موجبٌ موتَه، وقيل: لمجاهدة الكفارِ لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم كما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة} روي أنه عليه الصلاة والسلام مر على أُبيَّ بن كعب وهو يصلي فدعاه فعجّل في صلاته ثم جاء فقال عليه الصلاة والسلام: «ما منعك من إجابتي؟» قال: كنت في الصلاة قال: «ألم تخبَرْ فيما أوحِيَ إلي {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}». إلخ.
واختلف فيه فقيل: هذا من خصائص دعائه عليه الصلاة والسلام وقيل: لأن إجابته عليه الصلاة والسلام لا تقطع الصلاةَ وقيل: كان ذلك الدعاءُ لأمر مهمَ لا يحتمل التأخيرَ وللمصلي أن يقطع الصلاةَ لمثله {واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} تمثيلٌ لغاية قربِه تعالى من العبد كقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} وتنبيهٌ على أنه تعالى مطلعٌ من منكونات القلوب على ما عسى يغفُل عنه صاحبُها أو حثٌّ على المبادرة إلى إخلاص القلوبِ وتصفيتِها قبل إدراك المنيةِ فإنها حائلةٌ بين المرء وقلبِه أو تصويرٌ وتخييلٌ لتملّكه على العبد قلبَه بحيث يفسخ عزائمهُ ويغيّر نياتِه ومقاصدَه ويحول بينه وبين الكفر إن إراد سعادتَه ويبدله بالأمن خوفًا وبالذكر نسيانًا وما أشبه ذلك من الأمور المعترضةِ المفوتةِ للفرصة، وقرئ: {بين المرِّ} بتشديد الراء على حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الراء وإجراء الوصل مجرى الوقف {وَأَنَّهُ} أي الله عز وجل أو الشأن {إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتبِ أعمالِكم فسارعوا إلى طاعته تعالى وطاعةِ رسولِه وبالغوا في الاستجابة لهما. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}
{يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ} تكرير النداء مع وصفهم بنعت الإيمان لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يرد بعده من الأوامر وتنبيههم على أن فيهم ما يوجب ذلك {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} بحسن الطاعة {إِذَا دَعَاكُمْ} أي الرسول إذ هو المباشر لدعوة الله تعالى مع ما أشرنا إليه آنفًا {لِمَا يُحْيِيكُمْ} أي لما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد الذي أعزكم الله تعالى به بعد الذل وقواكم به بعد الضعف ومنعكم به من عدوكم بعد القهر كما روي ذلك عن عروة بن الزبير، وإطلاق ما ذكر على العقائد والأعمال وكذا على الجهاد اما استعارة أو مجاز مرسل باطلاق السبب على المسبب، وقال القتبي: المراد به الشهادة وهو مجاز أيضًا، وقال قتادة: القرآن، وقال أبو مسلم: الجنة، وقال غير واحد: هو العلوم الدينية التي هي مناط الحياة الأبدية كما أن الجهل مدار الموت الحقيقي، وهو استعارة مشهورة ذكرها الادباء وعلماء المعاني.
وللزمخشري:
لا تعجبن لجهول حلته ** فذاك ميت وثوبه كفن

واستدل بالآية على وجوب إجابته صلى الله عليه وسلم إذا نادى أحدًا وهو في الصلاة، وعن الشافعي أن ذلك لا يبطلها لأنها أيضًا إجابة، وحكى الروياني أنها لا تجب وتبطل الصلاة بها، وقيل: إنه يقطع الصلاة إذا كان الدعاء لأمر يفوت بالتأخير كما إذا رأى أعمى وصل إلى بئر ولو لم يحذره لهلك، وأيد القول بالوجوب بما أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر علي أبيّ بن كعب وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك من إجابتي؟ قال: كنت أصلي.
قال: ألم تخبر فيما أوحي {استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} قال: بلى ولا أعود إن شاء الله تعالى، ثم إنه صلى الله عليه وسلم قال له: لأعلمنك سورة أعظم سورة في القرآن {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2] هي السبع المثاني وأنت تعلم أنه لا دلالة فيه على أن إجابته صلى الله عليه وسلم لا تقطع الصلاة، وقال بعضهم: إن ذلك الدعاء كان لأمر مهم لا يحتمل التأخير وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله، وفيه نظر {واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} عطف على استجيبوا، وأصل الحول كما قال الراغب تغير الشيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول وباعتبار الانفصال قيل حال بينهما كذا، وهذا غير متصور في حق الله تعالى فهو مجاز عن غاية القرب من العبد لأن من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما وانفصال أحدهما عن الآخر، وظاهر كلام كثير أن الكلام من باب الاستعارة التمثيلية، ويجوز أن يكون هناك استعارة تبعية، فمعنى يحول يقرب، ولا بعد في أن يكون من باب المجاز المرسل المركب لاستعماله في لازم معناه وهو القرب، بل ادعى أنه الأنسب، وإرادة هذا المعنى هو المروى عن الحسن وقتادة، فالآية نظير قوله سبحانه: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} وفيها تنبيه على أنه تعالى مطلع من مكنونات القلوب على ما قد يغفل عنه أصحابها، وجوز أن يكون المراد من ذلك الحث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها، فمعنى يحول بينه وبين قلبه يميته فيفوته الفرصة التي هو واجدها وهو التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليمًا كما يريده الله تعالى، فكأنه سبحانه بعد أن أمرهم بإجابة الرسول عليه الصلاة والسلام أشار لهم إلى اغتنام الفرصة من إخلاص القلوب للطاعة وشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه الذي به يعقل في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه، وإلى هذا ذهب الجبائي.
وقال غير واحد: إنه استعارة تمثيلية لتمكنه تعالى من قلوب العباد فيصرفها كيف يشاء بما لا يقدر عليه صاحبها فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويلهمه رشده ويزيغ عن الصراط السوي قلبه ويبدله بالأمن خوفًا وبالذكر نسيانًا، وذلك كمن حال بين شخص ومتاعه فإنه القادر على التصرف فيه دونه وهذا كما في حديث شهر بن حوشب عن أم سلمة وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إكثاره الدعاء بيا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال لها: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله تعالى فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ، ويؤيد هذا التفسير ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال عليه الصلاة والسلام: يحول بين المؤمن والكفر ويحول بين الكافر والهدى.
ولعل ذلك منه عليه الصلاة والسلام إقتصار على الأمرين اللذين هما أعظم مدار للسعادة والشقاوة وإلا فهذا من فروع التمكن الذي أشرنا إليه ولا يختص أمره بما ذكر، وقد حال سبحانه بين العدلية وبين اعتقاد هذا فعدلوا عن سواء السبيل، وبين بعض الأفاضل ربط الآيات على ذلك بأنه تعالى لما نص بقوله عز من قائل: {لَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ} [الأنفال: 23] الخ، على أن الإسماع لا ينفع فيهم تسجيلًا على أولئك الصم البكم من على المؤمنين بما منحهم من الإيمان ويسر لهم من الطاعة، كأنه قيل: إنكم لستم مثل أولئك المطبوعين على قلوبهم فإنهم إنما امتنعوا عن الطاعة لأنهم ما خلقوا إلا للكفر فما تيسر لهم الاستجابة، وكل ميسر لما خلق له، فأنتم لما منحتم الإيمان ووفقتم للطاعة فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما فيه حياتكم من مجاهدة الكفار وطلب الحياة الأبدية واغتنموا تلك الفرصة واعلموا أن الله تعالى قد يحول بين المرء وقلبه بأن يحول بينه وبين الإيمان وبينه وبين الطاعة ثم يجازيه في الآخرة بالنار، وتلخيصه أوليتكم النعمة فاشكروها ولا تكفروها لئلا أزيلها عنكم. اهـ.
ولا يخفى ما فيه من التكليف، وقيل: إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم: قاتلوا في سبيل الله تعالى إذا دعيتم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الأمن خوفًا والجبن جرأة.
وقرئ {بَيْنَ المرء} بتشديد الراء على حذف الهمزة ونقل حركتها إليها وإجراء الوصل مجرى الوقف {وَأَنَّهُ} أي الله عز وجل أو الشأن {إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتب أعمالكم التي لم يخف عليه شيء منها فسارعوا إلى طاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغوا في الاستجابة، وقيل: المعنى إنه تحشرون إليه تعالى دون غيره فيجازيكم فلا تألوا جهدًا في انتهاز الفرصة، أو المعنى أنه المتصرف في قلوكبم في الدنيا ولا مهرب لكم عنه في الآخرة فسلموا الأمر إليه عز شأنه ولا تحدثوا أنفسكم بمخالفته.
وزعم بعضهم أنه سبحانه لما أشار في صدر الآية إلى أن السعيد من أسعده والشقي من أشله وأن القلوب بيده يقلبهما كيفما يشاء ويخلق فيها الدواعي والعقائد حسبما يريد ختمها بما يفيد أن الحشر إليه ليعلم أنه مع كون العباد مجبورين خلقوا مثابين معاقبين إما للجنة وإما للناس لا يتركون مهملين معطلين، وأنت تعلم أن الآية لا دلالة فيها على الجبر بالمعنى المشهور وليس فيها عند من أنصف بعد التأمل أكثر من انتهاء الأمور بالآخرة إليه عز شأنه. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}
الإستجابة: بمعنى الإجابة. قال:
وداعٍ دعا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النِّدا ** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

يريد: فلم يجبه.
وقائله كعب بن سعد الغَنَوِي، والقصيدة في الأصمعيات رقم 14.
والمراد بها الطاعة والإمتثال، وإنما وحد الضمير في قوله: {دَعَاكُمْ}- أي: الرسول- لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله تعالى.
وقال الزمخشري: لأن استجابته صلى الله عليه وسلم، كاستجابته تعالى، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد.
وقوله: {لِمَا يُحْيِيكُمْ}، قال عروة بن الزبير- فيما رواه ابن إسحاق- أي: للحرب التي أعزكم الله تعالى بها بعد الذل، وقوّاكم بها بعد الضعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.
وإنما سمي الجهاد حياة، لأن في وهن عدوّهم بسببه حياة لهم وقوة، أو لأنه سبب الشهادة الموجبة للحياة الدائمة، أو سبب المثوبة الأخروية التي هي معدن الحياة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} أي: الحياة الدائمة، فيكون مجازًا مرسلًا، بإطلاق السبب على المسبب، أو استعارة. وقيل: {لِمَا يُحْيِيكُمْ} أي: من العلوم الدينية التي هي مناط حياة القلب، كما أن الجهل موته.
قال الشهاب: وإطلاق الحياة على العلم، والموت على الجهل استعارة معروفة، ذكرها الأدباء، وأهل المعاني. وأنشد الزمخشري لبعضهم:
لا تعجبنّ الجهولَ حُلَّتهُ ** فَذاك مَيْتٌ، وثَوبهُ كَفَنُ

وقد ألمّ فيه بقول أبي الطيب، من قصيدته التي أولها:
أفاضلُ الناسِ أغراضٌ لذا الزمنِ ** يخلوا من الهمِّ أخلاهُم من الفِطَنِ

والأظهر أن يُعنى بما يحييكم، ما يصلحكم من أعمال البر والطاعة، فيدخل فيه ما تقدم وغيره.

.تنبيه [على وجوب إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إذا نادى أحدًا وهو في الصلاة]:

استدل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على وجوب إجابته إذا نادى أحدًا وهو في الصلاة.
روى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي، فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال: ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ} الآية.